تسميةٌ غير مألوفةٍ أليس كذلك؟ لعلَّك تفكِّر الآن بالنجوم والأفلاك لكن أعذرني ﻷقطع تخيلاتك تلك فما سنتحدَّث عنه اليوم ليس ما كنت تفكِّر به
ماهو الكون الاجتماعي (Fediverse)
الكون الاجتماعي عبارة عن مجموعةٍ ضخمةٍ من شبكات التواصل الاجتماعي اللامركزية التي يحكمها بروتوكولٌ يدعى ActivityPub يحدِّد هذا البروتوكول شكل العمليات التي تجري بين كل تلك الشبكات المختلفة، فهو يمكِّنك من النشر ومتابعة المستخدمين والتفاعل معهم حتى لو كانوا على خادمٍ آخرٍ غير الذي تستخدمه
أصل التسمية
ظهر المصطلح للمرَّة الأولى في 2010 ثمَّ بدأت المنصات اللامركزية بتبنيه. كلمة Fediverse (تنطق فِدِفيرس) جاءت من دمج كلمتي الاتحاد (federation) والكون (universe)، حيث تشير كلمة الاتحاد لمفهوم اللامركزية الذي تقوم عليه الشبكة حيث أنَّ كل خادمٍ مستقلٌّ بذاته وجميع هذه الخوادم تتواصل مع بعضها عبر بروتوكولٍ قياسيٍّ لتكوَّن شيئًا أشبه بالاتحاد فيما بينها، بينما تشير كلمة الكون إلى حجم وتنوُّع الكون الاجتماعي.
لماذا نحتاج بديلًا؟
أول سؤال قد يخطر في ذهنك هو: لماذا نحن بحاجة إلى شيءٍ كهذا؟ ألا تكفي منصات التواصل الاجتماعي الحالية؟
في الحقيقة نحن في أمسِّ الحاجة لبديلٍ لتلك المنصات لعدَّة أسباب.
المركزية
هل فكَّرت يومًا بإنشاء نسختك الخاصة من موقع تواصلك الاجتماعي المفضَّل ثمَّ اكتشفت مدى تعقيد هذا الأمر؟ حسنًا هذا يعود لكون معظم وسائل التواصل الاجتماعي الحالية شديدة المركزية، هي تُدار وتُشغَّل بالكامل من قبل هيئةٍ أو شركةٍ واحدةٍ تفرض عليك سياساتها ورؤيتها وتوجهاتها. على النقيض، الشبكات اللامركزية التي تتضمَّن آلاف الخوادم مختلفة التوجهات والقوانين والسياسات تجعل فرض كيانٍ واحدٍ لرؤيته أمرًا مستحيلًا.
الخصوصية
لأن الشبكات الحالية تُدار من كيانٍ واحدٍ فقط غالبًا ما يقرِّر إغلاق مصدر تلك الشبكة فأنت عاجز عن معرفة ما تجمعه تلك الكيانات من بياناتٍ عنك لأغراضٍ ربحيةٍ أو سياسيةٍ، لا يوجد أيُّ ضمانٍ للتأكِّد من أنَّ بياناتك لا تُباع أو تستغلُّ في أمور أخرى. في الاتحاد الاجتماعي معظم الشبكات المشهورة مفتوحة المصدر ويمكنك اختيار أكثرها احترامًا لخصوصيتك دون أن تفقد إمكانية التواصل مع الشبكات الأخرى.
الرقابة
الأخ الكبير يراقبك، هذه المقولة تنطبق حرفيًّا على منصات التواصل الاجتماعي الحالية، كم من مرَّةٍ حُظِرت من فيسبُك بسبب انتهاكك لمعايير مجتمعهم تلك، في الاتحاد الاجتماعي يمكنك التنقُّل بين الخوادم واختيار واحدٍ يحترم وجهة نظرك كبسَّامٍ مثلًا.
الابتكار والتجديد
إنَّ هيمنة منصات التواصل الاجتماعي المركزية لا يعيق حرِّيَّة المستخدم فحسب بل ويقتل الإبداع والابتكار. من ناحية أخرى، تعزِّز لامركزية الاتحاد الاجتماعي على الإبداع وتُنشئ بيئةً أكثر تنافسيةً وتنوُّعًا بين شبكات التواصل الاجتماعي ممَّا يشجع على الابتكار والتجديد.
التحدِّيات
على الرغم ممَّا يقدمه الاتحاد الاجتماعي من مميِّزاتٍ وحلولٍ إلَّا أنَّ الصورة ليست ورديَّةً بالكامل، هناك بعض التحدِّيات التي تواجه الاتحاد الاجتماعي ومن أهمِّها:
الوعي
من أكبر التحدِّيات التي تواجه الاتحاد الاجتماعي هي قلَّة وعي المستخدمين، فما زال كثيرٌ من الناس لا يدركون وجوده أو كيفيَّة عمله ممَّا يصعِّب على المستخدمين الجدد العثور على إحدى شبكاته والانضمام إليها.
الاعتياد
جميعنا اعتدنا على شكل وطريقة عمل المنصات الحالية لكنَّ بعضنا للأسف يريد تعميم تجربته معها على أيِّ بديلٍ يظهر في الساحة وتجده لا ينفكُّ عن طلب تعديل شكل المنصة أو إضافة ميِّزةٍ معيَّنةٍ فقط لوجودها في منصةٍ كان يستخدمها، يكره هذا النوع من الأشخاص التغيير وينظر إليه بوصفه أمرًا معضلًا مستحيل الحل، غالبًا ما يكون هؤلاء آخر من يصعد على متن سفينة التغيير مكرهين لا أبطالًا بسبب صعود الجميع لها بالفعل.
الإشراف على المحتوى
لحظة، ألم نذكر هذا في المميزات؟ حسنًا الأمر أعقد ممَّا تتصوَّر. ماذا لو نشر أحدهم منشورًا إباحيًا في خادمٍ ما لا يحظر هذا السلوك؟ على الرغم من أنَّ الطبيعة اللَّامركزية للاتحاد الاجتماعي ميزةٌ إلَّا أنَّها تصعِّب الإشراف على المحتوى في مثل هذه الحالات، كما أنَّ اختلاف المعايير بين الثقافات يؤدي لاختلافٍ فيما يُعتبر مقبولًا أو مرفوضًا ولا يوجد أيُّ سلطةٍ مركزيةٍ قادرةٌ على فرض هذه المعايير.
يمكن لإدارة خادمٍ ما أن تمنع محتوى أيِّ خادم تريده من الظهور في خطِّها الزمني لكن تظلُّ للمستخدم حريَّته في متابعة أيِّ خادمٍ كان.
التعقيد
على الرُّغم من عدم صعوبة الأمر إلَّا أنَّ اعتياد الناس على المنصات الحالية وطريقة عمل منصات الكون الاجتماعي قد يعيقهم عن استخدام المنصات اللامركزية.
تخيل معي أنك اعتدت فعل أمرٍ ما بطريقةٍ ما لعشر سنوات، واليوم بدأت بعمل نفس الشيء بطريقة جديدة. ستشغر بالغرابة وربَّما بالضيق لكنَّك ستعشر براحةٍ أكبر مستقبلًا إن كانت الطريقة الجديدة أفضل.
علينا ألَّا ننسى أنَّ الكون الاجتماعي جديدٌ علينا ونحن بحاجة لبعض الوقت للتأقلم معه.
التمويل
على الرغم من بدء بعض الشركات أو المؤسسات الكبيرة بتبني الكون الاجتماعي وإنشاء بعض الخوادم عليه إلَّا أنَّ معظم خوادم الكون الاجتماعي قائمة على تمويل فردي إمَّا من إدارة الموقع نفسه أو من المتبرعين ممَّا يخلق خوفًا من احتمالية إغلاق هذه الخوادم لاحقًا لنقص التمويل. كما أنَّ عدم انتشار مبدأ التبرع للبرمجيات والمشاريع التقنية في بعض المجتمعات كمجتمعنا العربي يصعِّب إطلاق منصاتٍ أخرى.
مخاوف الكبار
قد يظنُّ البعض أنَّ الكون الاجتماعي مجرَّد منصة أو مجموعة منصاتٍ جديدة بديلةٍ لن تغيِّر شيئًا على الساحة، إلَّا أنَّ عمالقة المنصات الحالية تيَّقظوا للخطر القادم الذي يهدِّد عروشهم ولذا بتنا نرى شركة كشركة ميتا المالكة لفيسبُك شرعت بتطوير منصةٍ لامركزيةٍ خاصةٍ بها في فضاء الكون الاجتماعي، لعلَّك تحتفل الآن متخيَّلًا أنَّ قرارًا كهذا سيشجِّع الناس للانتقال للكون الاجتماعي، لكن هل هذا القرار في مصلحة الكون الاجتماعي فعلًا؟! علينا ألًّا ننسى أنَّ ميتا قائمةٌ بأكملها على بياناتك الشخصية.
خاتمة
ختامًا، الشبكات اللامركزية والكون الاجتماعي ليستا فكرتين جديدتين وإنْ ازداد الاهتمام بهما في الفترة الأخيرة، وعلى الرغم من كثرة التحديات التي تواجههما إلَّا أنَّهما بصيص أملٍ أخير لنحظى بوسيلة تواصل تحترم خصوصيتنا وتحلُّ مشاكل التتبع غير الأخلاقي وجمع البيانات وتمهِّد لعصر جديد لمواقع التواصل الاجتماعي يشجِّع على التنوُّع والإبداع.